الأحد، 16 نوفمبر 2014

اشهد يا محمد محمود





اثنان من الاصدقاء في مرحلة الشباب المليء بالحيوية والنشاط وروح الثورة كانت في داخلهم الى جانب روح الاخوه والصداقة التي جمعتهم منذ صغرهم . احدهم يدعى علي والاخر يدعى عماد . وكان علي وعماد رفيقا العمر جنبا الى جنب في كل شيء حتى انهما كانا من اوائل الشباب التي نزلت بعد الدعوات الفيسبوكيه للنزول يوم عيد الشرطة ليكون يوم الثورة على التعذيب من الداخلية وتعاطفا بداخلهما شأنهما فيه  شأن اغلب الشباب مع خالد سعيد شهيد التعذيب من مافيا الداخليه .

ومع كل اتفاقهما في اشياء كثيره وصداقتهما التي كانت مثال لصداقة قد تكون نادرة في حياتنا. ولكن وبعد سماعهما لخبر تنحي مبارك والدعوات الاعلاميه الى الصبر على المجلس العسكري في اداره شؤون البلاد والوعود في ذلك الوقت بتسليم السلطة في اسرع وقت ممكن وبدا الخلاف الجزئي في الراي بين علي وعماد.
اعتقد علي انه لا فائده من مجلس اتى بتفويض من رئيس سابق ثار الشعب عليه وان الفتره القادمة لن تحمل الامال العريضة التي يحلم بها شعب مصر الثائر على ظلم حكامه …. وعلى خلاف هذا الرأي كان رأي صديقه الصدوق عماد الذي رأى انه لا مانع من الصبر على المجلس العسكري في اداره شؤون البلاد وان يعطيه ثقة قد تصبح في محلها في غضون شهور بسيطه … ومضى الوقت وحدثت امور كثيره جعلت علي يتحدث مع عماد كثيرا في ان يعود الى صفوف الثائرين وان صبره لا فائده منه ولكن عماد كان دائما ما يصر على صبره ويحاول ان يقنع به علي ولكن ايضا دون جدوى .
حتى جاء اعتصام نوفمبر الذي كان علي وبكل تأكيد متضامن ومعتصم شأنه شأن كل شاب مؤمن بانه لا فائده من البقاء على اعوان مبارك المخلصين في وجهه نظرهم … وعلى الجانب الاخر كان عماد شأنه  شأن الكثيرين ممن آمنوا بالرسالة الاعلاميه في الصبر المرير الذي لا يعلم مداه احد الا الله.

وكان عماد دائم الاتصال بعلي كي يطمئن عليه ويطمئن على الثوار ولكنه دائما كان قلقا مما يراه من قنابل واعتدائات من الشرطة … حتى يوم الاثنين الذي اتصل فيه مبكرا بعلي . ولكنه استشعر من صوت علي بشيء من التعب مما زاد قلقه عليه وقرر ان ينزل للإطمئنان عليه وعلى ثوار التحرير وفي نفس الوقت لكي يقوم بإقناع الشباب الباقي امام محمد محمود للرجوع الى التحرير وعدم تهديد وزاره الداخليه كما كان يسمع من الاعلام .

وبعد وصول عماد الى التحرير قام بالاتصال بعلي ودار بينهم مكالمة هاتفيه :-
عماد : الووو
علي : ايوه …
عماد : ازيك يا علوه انت فين يا برنس.
علي : انا في التحرير يا عمده انت فين.
عماد : اذا كان انا في التحرير يابني انت فين بالظبط؟
علي : انا عند شارع محمد محمود يا ريس.
عماد: يابني متيجي التحرير وسيبك من محمد محمود.
علي : اسيبه ازاي يابني هنا المعمعه كلها تعالى انت.
عماد : طيب انا جايلك يا ريس بس هشدلي كمامه عشان الدنيا هنا ضباب .
علي : مستينك يا صاحبي.

وذهب عماد الى علي باحثا في وجوه المتظاهرين عن صديقه حتى وصل الى ميدان الفلكي حيث قمة المعمعة كمان كان يسميها عماد. ولكنه لم يجد بسهوله صديقه علي من وسط الكم الهائل من الشباب ولكنه بدأ في التحدث الى الشباب الموجود وابداء النصيحه لهم وانه ثائر مثلهم ومتضامن معهم ولكن مع اعتصام التحرير وعدم الذهاب الى وزاره الداخليه وانها ممتلكات الدولة , ولكنه كان يجد بعض الشباب رافضا فكرته والبعض الاخر موافق ولكنه لا يزال واقفا ولن يبرح مكانه على الرغم من هذا الاقتناع!!!

حتى وجد صديقه ملثما بكوفيته وواقفا وسط شباب كثيرون يهتفون ضد العسكر بشتى اشكالهم وبحكمهم الديكتاتوري وبعد ان سلم على صديقه علي واطمأن عليه … بدا يسألة العوده معه الى المنزل وان والدة علي قلقه عليه وابلغت عماد ان يعود وهو معه وكفاه اعتصام .

وبداو الحديث ….

عماد : يابني يلا نروح شكله تعبان ومجهد وابقى ريح وارجع تاني وهاجي معاك يا سيدي
علي : مش هروح يا عماد وبعد اللي شفته مش هسيب محمد محمود ولا همشي واسيب الناس بتموت وانا في البيت نايم
عماد : مش بقولك سيبهم … روح خد دش وانزل ياسيدي
علي : لا وانت عارف كويس امي … لو روحت مش هتسيبني انزل تاني
عماد: متقلقش هقولها خارج انا وهوه وهي مطمنه اني مبنزلش زيك التحرير
علي : برضه هتقلق ومش هترضى
عماد: يعني انت عايز تموت؟ … شكلك تعبان والغاز تعبني وانا لسه جاي مابالك انت؟!!
علي : يارب اموت !! … هو انا احسن من اللي ماتوا عشان مصر؟!!!
عماد : بعد صمت قليل … مش هعرف اسلك معاك يعني؟!!
علي : لا ولو عايز تروح روح
عماد : مش هروح ومش هسيبك انا معاك يا سيدي وان شاء الله مروحت شغلي بكره
علي : متشيلنيش زنبك يا سيدي روح انت وانا هنا مكانك
عماد : لا يا سيدي مش هروح خليني معاك … طول عمرنا سوا على الحلوه والمره
علي: تسلم يا صاحبي .. واخد عماد بالحضن.

وبداو سويا ومع باقي الشباب في الاستمرار بالهتاف ضد العسكر وبقى العسكر في ضربة للقنابل المسيلة للدموع والخراطيش وكل ما اوتي من قوه.

وبدا علي يأخذ عماد ويقتربوا شيئا فشئيا من الحديد المانع بين الطرفين ليعلوا صوتهم بالهتاف ويصل الى الطرف الاخر … حتى قام احد ظباط الشرطة باطلاق رصاصه وهو يختار بشكل عشوائي ضحيته … وكان هذه المره ضحيته هي عماد الذي اخذ الطلقة التي استقرت في عينيه وسقط بعدها وهو ممسك براسه لا يعلم ماذا حدث ويسقط بعده علي ليس من الضرب الناري ولكن للاطئمنان على عماد ومحاوله معرفه ماذا حدث له… وقد امسك بعماد وبدأ يجذبة بعيدا عن الضرب لمعرفه ماذا اصابه….

ليفاجاه عماد : انا مش شايف يا علي … عيني راحت … عيني راحت
ليرد علي : انت متاكد ؟ طيب بصلي كويس … بصلي شايفني؟!!!
      عماد : شايفك بس عيني الشمال مش شايف بيها حاجه!!
      علي : انت بتنزل دم يا عماد … عينك بتجيب دم ويبدا في الصراخ : اسعاف اسعاف

ليحضر موتوسيكل الاسعاف ويركب عليه عماد وعلي وسائقه ليذهب الى اقرب مستشفى ميداني . ليجد الدكتور عماد واضعا يده على عينه فيقوم بازاحتها ليرى مدى الاصابه ويكتشف ان عين عماد اليسرى اخذت طلقه من البلي الذي هتك الشبكيه واصبحت عيناه عين واحده فقط!!

ويقوم الدكتور باعلامهم بانه بالفعل فقد عينه اليسرى وانه يجب ان يذهب الى المستشفى … ليجد علي نفسه يركض وراء سياره اسعاف … ويركب صديقه عماد فيها ويركب معه للذهاب الى المستشفى وبعد ان وصلوا وادخل عماد للكشف عليه …

علي: عماد … انا هسيبك هنا في المستشفى وهروح البيت عشن اقولهم وعشان يجو يقعدوا معاك ويطمنوا عليك وهجيبلك هدوم واجي
عماد: انت بتكذب عليا
علي انت بتقول كده ليه؟
عماد : مش عارف بس حاسس انك مش مروح
علي : متخافش لازم اعرفهم عشان يجو يطمنوا عليك وعشان كمان لو هتحتاج تتنقل لمستشفى تانيه
عماد: طيب بس متتاخرش عليا
علي: متقلقش مش هتاخر ومش هسيبك يا اغلى صاحب
وبعد عناق شديد … قام الممرضين باصطحاب عماد الى سريره لكي يرقد عليه حتى ينتهي الدكتور من الانتهاء من باقي الحالات التي تسبق عماد.
وقام علي بعد ان ترك عماد بالاتصال بأهل عماد ليخبرهم بما حدث والمستشفى التي يرقد فيها عماد واقفل المكالمه بعد ان وجد حالة من الهلع اصابت اخو عماد الاكبر الذي اتصل به بعدها ولكن علي رفض ان يرد فهو قام باخطاره بكل ما يمكن ان يعرفه … ليعود مره اخرى الى محمد محمود .. وهو في داخله ثأر لا يعلم من الشخص الذي قام به ولكنه ثأر عام من كل هذا الكيان الفاسد الذي يسمى الشرطة … ومع اقترابه بدأ صوته يعلو بالهتاف ضد العسكر وتملأ عيناه الدموع على ما حدث لصديقه عماد .

وما ان اقترب من منطقه المواجهات … حتى وجد ظابطا يقوم بالنشان عليه وعلى الشباب من حوله … ليجد نفسا يركض بسرعه تجاه العسكر متناسيا ماسيحدث له من هذا الاقتراب الشديد … ليمسك بالظابط وهو يأخذ العديد من الضربات بالعصا من العساكر والظابط يحاول ان يبعده عن لكي يضربه هو الاخر … وبالفعل لم يتحمل علي ضرب العساكر له … وسقط على الارض امام ارجل الظابط وعلى مسافه قريبه جدا منه … ليبدا الظابط في رد الفعل الذي لم يكن سوى انتقامي لما فعله عليه من شده وجذبه بعنف ليجد نفسه شاهرا رشاشه الالي وعلى المسافه القريبه التي تجمعه بالمتظاهر الثائر .

ويطلق رصاصة حيه حقيقيه ليست صوتا ولا بليا ولكنها رصاصة قاتلة … لتستقر في صدر علي الذي فارق الحياه على الفور…. ليجتذب احد العساكر  بعلي من ارجله … ويجرجره من ارجله حتى يلقي به في جانب الطريق ليكملوا ضربهم الثوار بكل انواع الاسلحة.

ولم يستطيع الثوار ان يأخذو القتيل ( علي ) لانه كان في منطقه الشرطة التي وان اقترب احد اخر سوف يلاقي نفس المصير… .

وبعد التاكد من فقدان عين عماد وتقرير الطبيب لاهله الذين وصلوا وهم لا يعلموا ماذا حدث ويحدث … بانه لا فائده من بقائه في المستشفى ولا جدوى من علاج عينه فقد ذهب نورها بلا رجعه.

ليجد عماد نفسه راقدا في منزله لا يعلم شيئا عن علي حتى الليل ولا يعلم اهله او اهل علي اي شيء  … ليقوم عماد ويرتدي ملابسه وهو يشعر بان علي حدث له مكروه ولا يعلم ما هو سبب هذا الشعور الذي انتابه فجاه … وقبل ان يخرج وجد اخوه يدخل المنزل وهو يبكي ليساله :-

عماد : انت بتعيط ليه؟ عشان عيني؟!!
اخوه : يزداد بكائا … ثم يقول لا
عماد: امال فيه ايه قولي؟ … وهو يشعر بخوف وقلق غريب
اخوه : علي … وينهمر في البكاء
عماد : جراله ايه ؟!!!
اخوه : بعد بكاء شديد …. ماااااااات

ليسقط عماد مغشيا عليه … ليعيده اهله الى فراشه … وهو في حالة من الاغماء المزيج بدموع لا اراده من عينيه السليمه وحتى الضائعه.
وبعد مرور ايام … علم عماد ان الحرية لا تمنح ولكنها تنتزع وان دماء الشهداء غاليه ولن يقبل هو وكل الشباب مثله ان تبقى مصر في احضان اعداء الوطن والعملاء الحقيقين … ليس ثأرا لصديق عمره فقط … ولكن لكل الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن مصر وكرامتها وحريتها

ذكرياتنا المؤلمة






تمضي حياتنا وتمر ايام العمر تاركة خلفها الكثير من الذكريات والاحداث التي لا تنسى قد تكون ذكريات جميلة وقد تكون مؤلمة وان كانت ذكرياتنا المؤلمة اصبحت سائدة واكثر بكثير من ذكرياتنا الجميلة التي قد تختفي او تنسى في خضم ذكريات كثيرة مؤلمة لا تنسى...

تفقد حبيب او حقبة من سنين العمر الجميلة لتمضي الى سنوات من المر والاشواك حتى تصبح الذكرى نفسها الم وحسرة متمنيا ان تبقى في الذكرى وان يتوقف بك الزمن عند تلك اللحظات الجميلة ولكن الزمن لا يتوقف والحاضر والمستقبل لا يرحم الماضي بقساوة وعنف لا تمتلك امامها سوى ان تتألم وتتحسر على ما فاتك بل وان تعيش لكي تقاوم ما تشعر به وكيف تبدل الحال ليصبح الصبر هو الشخص الذي تكرهه ولكنك لا تملك ان تفارقة حتى لا تفقد المعنى الحقيقي للحياة...

شعور بالظلم او خساره فادحة او امل ضائع كلها ذكريات مؤلمة وجميعها نملكها جميعا وكأننا ان اختلفنا في كل شيء اتفقنا جميعا في ذكرياتنا التي لا تنسى بل وتصبح دين واجب السداد دائما حينما نتذكرها او تصبح واقعا مؤلما حينما لا نستطيع ان ننساها...

نتفق جميعا ان الزمن كلما مر كلما زادت مرارتة ليصبح الماضي دائما افضل من الحاضر والحاضر افضل من المستقبل وتمر الايام حتى تزداد المراره ويصبح الصبر رجلا كهلا لا يقوى على المواجهة او التحمل بل وقد يموت الصبر ويتحول الانسان الى حي ميت او ميت بالفعل اما برحمة من خالقة او بقرار شخصي قد يصعب اتخاذه ولكن يمكن ان نصل الية وقد وصل البعض بالفعل الية...

تعيش في نفق مظلم لا ترى فيه املا لنور او ضوء يأتي من بعيد او مخرج تاركا الظلمة ورائك لتصبح ذكرياتك مظلمة ويتملكك اليأس من اي تغيير وعندما يأتي الضوء من بعيد كاسرا كل القواعد والانظمة التي اعتدت عليها وايقنت ببقائها وخلودها حتى يتعافى الامل ويخرج من غيبوبتة العميقة التي كاد ان يموت خلالها ويصبح المستقبل ولاول مره افضل من الماضي ضاربا قواعد الدنيا عرض الحائط لتشعر انك لازلت حياً وان الظلام قد يأتي له يوما وينقشع حتى تفيق من الحلم الجميل الذي سيتحول الى كابوس مفزع تتفح بعده عيناك على ظلام اكثر حلكة لتؤمن بان قواعد الدنيا ثابتة وان الامل قد مات اثر غيبوبتة العميقة وانك كنت فقط تحلم بالتغيير الذي لم يكن سوى مجرد سراب ون الدنيا تدنو اكثر فاكثر حتى ياتي لها يوما وتسقط...

حتى الذكرى الجميلة في رحيلها ذكرى مؤلمة لانها لا تعود او تتكرر بل ويحيطها من كل جانب ذكريات مؤلمة تجبرنا على نسيانها او انشغالنا عنها...

كنت اكتب في مدونتي السياسية عن ذكريات ابطال شهداء قدموا حياتهم فدائا للوطن وكلما مر عام اكتب ذكراهم وذكرى بطولتهم حتى مرت السنين واصبحت ذكراهم مجرد مقالة وضاع حقهم وشربت ارض الوطن دماءهم ومع مرور الزمن سيكونوا هم انفسهم للنسيان بل ولا اتعجب ان تحولو يوما الى خونة واعداء للوطن...

ذكرياتنا المؤلمة التي لا تنسى لانها لا تحصى ومستمره بالاضافة لحاضرنا المؤلم ومستقبلنا الاكثر ايلاما وحسرة يجعلنا لا نرى سوى النفق المظلم التي لا تنتهي خطواتة او تنكسر جدرانة او يتخللة ضوء ينير لنا الطريق وبكل اسف ارى اننا ذاهبون الى اللا عوده وليكن هذا عقاب تخاذلنا وضعفنا وصمتنا عن مقاومة ذكرياتنا المؤلمة وعدم تحويلها الى ذكريات جميلة بل واصبحنا مجرد احياء اموت نتمنى ضوء للحياة فلا نجدة ونتمنى طريق للموت فلا نستطيع السير فيه فلا الحياة ملكنا ولا الموت ايضا...

من لم يستطيع تغيير الماضي حينما كان حاضر فلن يستطع تغيير المستقبل عندما يصبح حاضر...